تطور الانهدام في الجنوب الغربي من سورية

شارك المنشور على حساباتك ...
تشير الدراسات المختلفة التي تمت حتى الآن على الوادي الانهدامي بأنه يتميز بحركة جانبية يسارية كبيرة تبلغ عدة عشرات كيلو مترات وبحركة شاقولية تصل أحيانا إلى عدة كيلو مترات ويمكن ملاحظتها بشكل رئيسي في وادي الأردن الانهدامي والبقاع اللبناني والبحر اللميت وفي منخفض الغاب شمال غرب سوريا.
إن عمليات النهوض تشكلت خلال الميزوزوي والوهاد المنعزلة المتشكلة على مساره تطورت في أوقات مختلفة بدءا من الأوليغوسين ففي وسط الميوسين تشكل منخفض جبل العرب وتوضع فيه سماكات هائلة من الصخور البركانية الميوسينية وحصل هذا الانخفاض وفقا للفوالق العادية الدرجية(السلمية) التي ترافق معها الاندفاعات البازلتية الشقية، إن المرحلة اللاحقة لانخفاس الوادي الانهدامي حدثت في البليوسين حيث توضعت رسوبات بحيرية وسماكات كبيرة من الصبات البازلتية ثم تشكلت لاحقا بحيرة طبريا وفي نفس الوقت حصل في منخفض جبل العرب تراكم شديد للصخور البركانية الشقية وكانت سرعة تشكل الصبات أكبر من سرعة انخفاس الحوض مما أدى في نهاية الأمر إلى تشكل جبل العرب البركاني وهو هضبة ذات ارتفاع عالي.
و كانت الحركات المولدة للجبال في البليوسين مرتبطة مع إعادة التشكل العميق للقاعدة البلورية وهذا ما يدل عليه الاندفاع الشديد للصبات الأساسية التركيب ويحتمل أنه في هذا الزمن يعود تشكل الفوالق الصغيرة والمتقاطعة ذات الاتجاه شمال شرق وشمال غرب .
في بداية الرباعي نتيجة الانخفاس الشديد للوادي الانهدامي تشكلت مجموعة من الوهاد التي تشاهد في البنية الحالية والتي تراكم ضمنها خلال البليستوسين سماكات كبيرة من التوضعات البحيرية وفي نفس الوقت حدثت في الجناح الغربي لجبل العرب في المنخفضات المتشكلة في نهوض الأردن اندفاعات بازلتية وتعرض الانهدام لاحقا إلى انخفاسات متتالية غير متجانسة ونتيجة لذلك أصبح قاع الوادي الانهدامي منخفضا عن مستوى سطح البحر أكثر بكثير مثل البحر الميت وبحيرة طبريا.
و ترافقت كل مرحلة من مراحل الحركات العمودية بتدفقات بازلتية من البراكين الموجودة في جبل العرب و المناطق الأخرى و يعتقد بأنه خلال الرباعي كانت الاندفاعات من النوع المركزي إلا أن توافق المداخن البركانية مع الخطوط الممتدة باتجاه شمال غرب يشير إلى إرتباطها مع نظام الفوالق القديمة ( أي التدفقات الشقية) وهذه الأخيرة أخذت مكانا لها في العصور التاريخية.
إن الشيء الهام والمؤكد هو ارتباط ظواهر البركنة البازلتية مع الحركات العمودية وتتوافق مع كل مرحلة من مراحل تطور الانهدام وبالتالي ارتفاع الأجزاء الناهضة المحيطة به مع عصور النشاط البركاني المختلفة (الميوسين- البليوسين-البليستوسين/العصر الحديث/).
إن تشكل التضاريس الحالية في جنوب غرب سوريا يعود بكليته تقريبا إلى العمليات البركانية التي أدت إلى تشكل جبل العرب وسهول حوران والجولان، إن المناطق الواقعة إلى الشرق من جبل العرب تعرضت إلى حركات تكتونية حديثة قادت إلى تشكل عدد كبير من البراكين الحديثة ضمن تضاريس سهلية والتي تظهر بوضوح في التضاريس الحالية وفي نفس الوقت تشكلت في الجزء الغربي من المنطقة الوديان النهرية بشكل نشط جدا.
تطور الانهدام في الشمال الغربي من سوريا:
تشير جميع الأبحاث والدراسات السابقة بما فيها دراسات الخبير الروسي تريفنوف إلى أنه وحتى منتصف الميوسين تشكلت الملامح الأساسية لتراكيب أو بنى البسيط – اللاذقية والكرداغ وبدأت الحركات المولدة للجبال في التدمرية كما تشكلت العناصر الأساسية للبنى الإلتوائية الفالقية في التدمرية في نهاية الميوسين وبداية البليوسين ويعتقد تريفنوف بأن القسمات الخطية التدمرية تستمر في الشمال الشرقي من سوريا وحتى الجزء الخارجي من زاغروس خلال الميوسين.
و في بداية البليوسين حدث انقلاب بنيوي هام أدى إلى تشكل الانهدام في شمال سوريا والذي تميز بالحركات أو الانزياحات الجانبية اليسارية الشديدة المستمرة حتى الأن.
وإن عمر الحركات الشاقولية التي حصلت في شمال غرب سوريا يتحدد من بداية البليوسين وحتى العصر الحالي، وذلك على أساس أن أحدث توضعات توافق الحركات الجانبية اليسارية ذات الامتداد الشمالي والشمالي الشرقي في شمال منخفض الغاب تعود إلى الهيلفت والتورتون، كما أنه لم يلاحظ أي نوع من البازلت في الوادي الانهدامي بمنطقة جبل الحلو ويشير ذلك إلى غياب الوادي الانهدامي خلال اندفاع الصبات البازلتية في هذه المنطقة.
وتبين المعطيات حول تحديد أعمار هذه الصبات في منطقة شين بطريقة البوتاسيوم –أرغون أن أعمارها تتراوح بين /10-5.8/ مليون سنة وهذا يوافق الميوسين المتأخر ومن عينات مأخوذة من صبات أخرى بين النطاقات اللاتيريتية تبين أن عمرها يتراوح بين 4.2-4.4 مليون سنة، هذا وحدد عمر هذه الصبا ت من قبل الروس على أنه يعود إلى البليوسين العلوي أما عمرها في منطقة تلكلخ بالبليوسين الأوسط والأعلى ومن خلال ما تقدم يمكن القول بأن هذه الصبات بدأت في الميوسين واستمرت خلال البليوسين.
إن الحقول البازلتية في الجزء الشمالي من الانهدام وإلى الشرق من مدينة جسر الشغور التي تحوي على الأقل صبتين كبيرتين وعدة مستويات من الطف تعتبر أكثر حداثة ويحتمل بأنها تعود إلى بداية وأواسط البليستوسين على اعتبار أن مراكز الاندفاعات البركانية حفظت جيدا وأن هذه الصبات البازلتية والطف تملأ الوادي الانهدامي المتشكل قبلها، كما أن عمر مستحاثات المياه العذبة في المارل الواقع تحت البازلت في منطقة جسر الشغور محدد بالبليستوسين.
وخلال البلستوسين الهيلوسين (الرباعي المتأخر استمرت الحركات الجانبية في فوالق الإنهدام الشرقية والغربية وإنها مستمرة حتى الأن ومقدارها سنويا 0.5-0.6 مم) وأن مقدار الإزاحة الشاقولية في المنطقة الغربية من جسر الشغور تزيد عنها في منطقة مصياف وذلك بالنسبة للمركبة الأفقية وتتوضع الكونغلوميرا البليوسينية بعدم توافق على الرسوبات الكريتاسية المتوضعة في قاعدة الانهدام و تزيد سماكة البليوسين قرب السهلية عن /500/م ويعتقد بأن تشكل الكونغلوميرا يرتبط ببداية تكون الانهدام الذي حدد بدوره التمايز التضاريسي الواضح في منطقة الغاب.
توجد على امتداد الفوالق الانهدامية بالقرب من قرى عين الجرن وعين حلاقيم أجسام بازلتية غير كبيرة تعود إلى الميوسين المتأخر وإلى الجنوب من قرية البيضا الواقعة جنوب مصياف تظهر على الجانب الشرقي للانهدام ثم جنوبا على الجانب الغربي منه صبات من البازلت الأوليفيني العائد للبليوسين المتأخر وهو أحدث من الكونغلوميرا التي تنعدم فيها المواد البازلتية.
كما تلاحظ إزاحة يسارية بالنسبة لكتلة البسيط كرداغ ونطاق فوالق اللاذقية وعفرين التي تحدها من الجنوب الشرقي وتبلغ سعة الإزاحة 20-25 كم وأن التشوهات الأساسية والتخلعات حصلت قبل طابق الهلفيتاي قبل أواسط الميوسين.
ويمكن إجمال الحوادث النيوتكتونية في الجزء الغربي والشمالي من سوريا اعتمادا على الدراسات السابقة وعلى ملاحظات الخبير تريفنوف:
حتى أواسط الميوسين (حتى التورتون ضمنا) وجدت نطاقات تكتونية ذات اتجاه شمال شرق –جنوب غرب والتي تظهر جزئيا في التراكمات الرسوبية ولكن بشكل أساسي على امتداد الفوالق والطيات.
تميزت نهاية الميوسين بالتدفقات البازلتية والتي شملت مساحات واسعة ولكن لم تأخذ بالحسبان مكانا لها في الوادي الانهدامي حتى التي ظهرت في البليوسين وقد ارتبط مع هذا حركات شاقولية أدت إلى حت الرسوبات الميزوزوية على جوانب الانهدام وخاصة الجانب الغربي وتوضعت نواتج التعرية في الوادي الانهدامي، ومع الزمن تزايدت الفروق الطبوغرافية وخلال فترات معينة من البليوسين والرباعي وظهرت في الوادي الانهدامي وخاصة في وهدة الغاب الأحواض البحيرية حيث توضع المارل والرسوبات الحطامية الدقيقة والرقيقة التطبق وفي بداية أو أواسط البليستوسين حصل اندفاع بازلتي جديد في الشمال وكان هذا داخل الوادي الانهدامي ولهذا يمكن القول بأن الانزياحات الجانبية على طول الفالق الانهدامي بدأت وحصلت بوقت واحد مع الحركات الشاقولية وإن مجموعة الإنزياحات الأفقية اليسارية والبالغة /20-25/ كم تعود إلى البليوسين والرباعي وكانت سرعة الحركة الأفقية من /0.4-0.6/مم في العام.
الاندفاعات البركانية المرافقة للانهدام:
ترافق الانهدام في سورية منذ مراحل النهوض الأولى لتشكله وحتى العصر الحديث بنشاط بركاني كبير ظهر بدءا من الجوراسي واستمر خلال عصور متعددة فنلاحظ على أطراف الانهدام وعلى طول امتداده الصخور البركانية العائدة للكريتاسي السفلي (أبيان- ألبيان) في سلسلة لبنان الشرقية والغربية وسلسلة جبال الساحل وفي التدمرية والاندفاعات العائدة للكريتاسي العلوي في الساحلية وخاصة خلال السينومان وكذلك خلال الباليوجين في مناطق الزبداني ودمشق.
إلا أن الانتشار الواسع للاندفاعات البركانية حصل خلال النيوجين والرباعي أي ترافق مع الفترة التي كان الانهدام فيها في أوج نشاطه، أو التي نشط الانهدام فيها بشكل كبير حيث كانت الحركات التكتونية في قمة شدتها وعنفوانها فنلاحظ هذه الاندفاعات في المنطقة الجنوبية من سوريا (جبل العرب- الجولان- سهل حوران- منطقة الزلف- تلول الصفا – السبع بيار) وفي غرب وشمال غربها (منطقة منخفض حمص- شين- برشين- جنوب مصياف- تلكلخ) وفي مواقع متعددة من السلسلة الساحلية (القدموس- المرقب- بلعدر- ظهر صفرا) وكذلك بالقرب من جسر الشغور وفي منخفض الغاب وفي إدلب ومنطقة عفرين وارتبطت الاندفاعات البركانية ارتباطا وثيقا بأنظمة الفوالق الإقليمية حيث صعدت الماغما عبر الأقنية التي تشكلت في نقاط تقاطع الاتجاهات التكتونية الرئيسية في المنطقة بالإضافة إلى نقاط تقاطع الفوالق الرئيسية مع فوالق الانهدام وقد تدفقت الماغما من الشقوق البركانية العديدة أو فوهات بركانية منفردة أخذت في منطقة تلول الصفا والمنطقة البركانية الجنوبية اتجاها غالبا شمال غرب جنوب شرق وإن معظم الانسكابات ومواقع الشقوق والفوهات تتواجد على الطرف الشرقي للانهدام.
وفي النهاية نوجز فنقول إن الإندفاعات البركانية في مختلف المناطق وخاصة الحديثة منها ساهمت بشكل كبير في إعطاء التضاريس الحديثة شكلها الحالي وساعدت في تفسير بنية الانهدام وتطوره.
محاور الإجهاد الإقليمية القديمة في شمال غرب الصفيحة العربية:
تعكس الظواهر التكتونية والمغماتية المتوافقة محاور الإجهادات الإقليمية القديمة التي سيطرت على شمال غرب الصفيحة العربية، سمحت الدراسة المزدوجة للأحداث التكتونية والبنيات البركانية، بفهم دقيق لتطور محاور الإجهاد عبر الزمن، حيث لوحظ أن عملية الحقن المغماتي (التدفق) أخذت مكانها وانسكب البازلت وفق اتجاه حقل الإجهاد المسيطر آنذاك. والاتجاهات التي سلكتها السوائل المغماتية (ديكات – مخاريط بركانية خطية) قريبة من المستوي العمودي على اتجاه محور الضغط الرئيس الأصغري (3 σ).
أظهرت نتائج التحاليل البنيوية للسلسلة التدمرية، والميكروتكتونية للفالق المشرقي، إضافة إلى دراسة انسكاب الصبات البازلتية (مخاريط بركانية خطية – ديكات)، بأن تطور حقل الإجهادات الإقليمية القديمة خلال الحقب الحديث قد تميز بطورين تكتونيين ارتبطا بتغير اتجاه حركة الصفيحة العربية نحو الشمال:
1- تميز الطور الأول بحركة إزاحية في نهاية الميوسين الأسفل بمحور إجهاد رئيس أعظمي (1 σ) اتجاهه شمال غرب – جنوب شرق σ 1=140 شمال. وأخذ محور الإجهاد الرئيس الأصغري(3 σ) اتجاه شمال شرق – جنوب غرب σ 3=50 شمال.
2- يعود الطور الثاني إلى البليو- رباعي وسيطرت عليه حركة إزاحية متزامنة مع حركة تباعدية، ادت إلى تشكل انهدام الغاب وكانت محاور الإجهاد الأعظمية المسيطرة تأخذ اتجاهاً مختلفاً عن سابقتها حيث أخذ محور الإجهاد الرئيس الأعظمي اتجاهاً قريباً من شمال-جنوب σ 1=170 شمال وأخذ محور التباعد اتجاهاً قريباً من شرق-غرب σ 3=80 شمال.
ويبين الشكل المرفق مخطط تكتوني للجزء الجنوبي والغربي من سورية مع لبنان بتفسير الصور الفضائية (حسب محمد رقية 1990).
الشكل(1)

اترك تعليقاً